الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 17
صفحة 1 من اصل 1
الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 17
النقطــــــــة الثانية
رد شبهة زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة زينب
لقد تلقف اعداء الاسلام ماجاء في بعض كتب التفاسير . وراوا فيه وجبة دسمة للنيل من عرض المصطفي صلي الله عليه وسلم .. ولذلك كان لزاما عليّ الرد علي هذه الشبهة , رغم انه تم الرد عليها المبحث الثالث مرارا وتكرارا من قبل من عديد العلماء سواء المتقدمين او المتأخرين منهم .
ان الشبهة التي الصقوها بالرسول صلي الله عليه وسلم خاصة بزواجه بالسيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها .. والصقوها به عليه السلام بناءا علي رواية باطلة وضعها احد المنافقين من اعداء الاسلام الا انها جازت علي عديد من المفسرين ..
ولننظر الان لهذه الرواية الباطلة ثم نقارنها بما جاء في هذا الخصوص في ايات سورة الاحزاب ...
جاء في تفسير الطبري ما نصه كالتالي :-
( القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (37)
يقول تعالى ذكره لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عتابا من الله له (و) اذكر يا محمد (إذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالهداية (وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق، يعني زيد بن حارثة مولى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فألقِي في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيد، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وهو صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها(وَاتَّقِ اللَّهَ) وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها، والله مبد ما تخفي في نفسك من ذلك ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس: أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها، والله أحق أن تخشاه من الناس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام (وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أعتقه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) قال: وكان يخفي في نفسه ودَّ أنه طلقها. قال الحسن: ما أنـزلت عليه آية كانت أشد عليه منها؛ قوله (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ولو كان نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كاتما شيئا من الوحي لكتمها( وَتَخْشَى &; 20-274 &; النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) قال: خشِي نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مقالة الناس.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: ما ذاك، أرابك منها شيء؟ " قال: لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيرًا، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.
حدثني محمد بن موسى الجرشي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أَبي حمزة قال: نـزلت هذه الآية ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) في زينب بنت جحش.
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن علي بن حسين قال: كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها، قال: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال الله: ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) .
حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: لو كتم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) .
وقوله: ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) يقول تعالى ذكره: فلما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته، وهي الوطر، ومنه قول الشاعر:
وَدَّعَنـــي قَبْـــلَ أن أُوَدِّعَـــهُ
لمَّــا قَضَــى مِـنْ شَـبابِنا وَطَـرَا (1)
(زَوَّجْنَاكَهَا) يقول: زوجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبانت منه؛( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) يعني: في نكاح نساء من تبنوا وليسوا ببنيهم ولا أولادهم على صحة إذا هم طلقوهن وبِنَّ منهم ( إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يقول: إذا قضوا منهن حاجاتهم وآرابهم، وفارقوهن وحللن لغيرهم، ولم يكن ذلك نـزولا منهم لهم عنهن ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ) يقول: وكان ما قضى الله من قضاء مفعولا أي: كائنا كان لا محالة. وإنما يعني بذلك أن قضاء الله في زينب أن يتزوجها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان ماضيا مفعولا كائنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يقول: إذا طلقوهن، وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تبنى زيد بن حارثة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا ....) إلى قوله (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) إذا كان ذلك منه غير نازل لك، فذلك قول الله وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ .
حدثني محمد بن عثمان الواسطي، قال: ثنا جعفر بن عون، عن المعلى بن عرفان، عن محمد بن عبد الله بن جحش. قال: تفاخرت عائشة وزينب، قال: فقالت زينب: أنا الذي نـزل تزويجي .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: كانت زينب زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تقول للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن؛ إن جدي وجدك واحد، وإني أنكحنيك الله من السماء، وإن السفير لجبرائيل عليه السلام.) انتهي .
وكما لاحظنا تعددت التفاسير في تفسير ايتي سورة الاحزاب .. وكلها اعتمدت علي روايات باطلة سندا ومتنا .. ناهيك عن مخافة هذه الروايات والتفاسير لظاهر الايات القرانية محل البحث ..
ولننظر الان فيما جاء في الايات الخاصة بهذا الموضوع في سورة الاحزاب :-
** قال تعالي ( واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشي الناس والله احق ان تخشاه فلما قضي زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون علي المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم اذا قضوا منهن وطرا وكان امر الله مفعولا * ما كان علي النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان امر الله قدرا مقدورا * ) الاحزاب 37 و 38 .
ان هاتين الايتيتن لهما ثلاثة اوجه جائزة للتأويل والفهم . وساقوم الان بسردهم واحدا تلو الاخر غير انني انوه هنا ان الوجه الاول لفهم الايات هو الاقرب عندي للصحة وان كنت لا انفي الوجهين الاخرين ,, خصوصا وكما سيتبين لنا ان الاوجه الثلاثة لفهم الايات لا توجد بهم اي اساءة للرسول صلي الله عليه وسلم .. مع ملاحظة انني لن احذف حرفا واحدا من الايات ولن اضيف حرفا ...
**
الوجه الاول :-
ان الضمير في الاية 37 كله هو ضمير المخاطب وهو سيدنا زيد رضي الله عنه اما المتكلم فهو محمد صلي الله عليه وسلم .. وذلك بعد قول الله تعالي ( واذ تقول ) اي يا محمد ( للذي انعم الله عليه ) اي زيد الذي انعم الله عليه بالاسلام ( وانعمت عليه ) اي انعمت عليه يا محمد بالحرية وان جعلته حبا لك .. ثم ينتقل الخطاب كله من محمد صلي الله عليه وسلم الي زيد رضي الله عنه فيقول ( امسك عليك زوجك ) يا زيد ( واتق الله ) يا زيد ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) يا زيد ( والله احق ان تخشاه ) يا زيد حتي ( فلما قضي زيد منها وطرا زوجناكها ) ...
وكما قلت هذا مما تحتمله الاية دون ادني شك فالتوجيه كله من رسول الله صلي الله عليه وسلم لزيد ابن حارثة رضي الله عنه ..
وهنا نجد ان الاية لا يوجد بها لا من قريب او بعيد اي لوم او عتاب للرسول صلي الله عليه وسلم .. كما يتبين معنا ان الروايات التي ذكرتتها التفاسير لا علاقة لها بالاية انما هي من وضع اعداء الاسلام للنيل من خلق المصطفي صلي الله عليه وسلم ..
السؤال الذي قد يطرحه احد القراء وهو ما الذي كان يخفيه زيد وسيبديه الله؟
اقول وعلي الله قصد السبيل ان السيدة زينب رضي الله عنها كانت تتعالي علي سيدنا زيد بكونها هاشمية وبكونها يجمعها والرسول صلي الله عليه وسلم جد واحد . اي انها كانت تتفاخر عليه بحسبها ونسبها .. وهذا امر لا يعيب زيدا علي الاطلاق فقد جاء الرسول صلي الله عليه وسلم لازلة الفوارق والطبقات الاجتماعية وجعل الناس سواسية كاسنان المشط .. وبالتالي ان ظهر وانتشر امر التعالي هذا للناس فانه لا يضير زيدا رضي الله عنه اطلاقا ... لذلك قال له الرسول ص ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) اي من امر تعالي زينب عليه ( وتخشي الناس والله احق ان تخشاه ) اي تخشي القيل والقال مع ان خشية الله هي الحصن والسكن والراحة .
**
الوجه الثاني :-
ان الخطاب في الاية تناول الرسول صلي الله عليه وسلم وزيد رضي الله عنه معا .. فلاحظ الان :
( واذا تقول ) الخطاب من الله تعالي لرسول الله ( للذي انعم الله عليه ) اي زيد الذي انعم الله عليه بالاسلام ( وانعمت عليه ) اي انعمت عليه يا محمد بالحرية بعد ان كان من العبيد وانعمت عليه بان جعلته من المقربين لك .. ( امسك عليك زوجك ) الخطاب الان من محمد لزيد ( واتق الله ) يا زيد ( وتخشي الناس والله احق ان تخشاه ) يمكن القول ان الخطاب هنا من الله تعالي لمحمد صلي الله عليه وسلم .
ولكن ما الذي كان يخفيه الرسول صلي الله عليه وسلم ويخشي الناس فيه ؟
الاجابة علي السؤال تقتضي العلم بان الرسول صلي الله عليه وسلم كان هو السبب الرئيس في اتمام زواج زيد لزينب ..
جاء في تهذيب الكمال للمزي والاعلام للزركلي وغيرهم من السير ما يلي :-
(
انطلق رسول الله ليخطب لزيد بن حارثة ، فدخل على زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فخطبها، فقالت: لستُ بناكحته. فقال رسول الله : "بَلْ فَانْكِحِيهِ". قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدَّثان، أنزل الله تعالى قوله على رسوله : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، فقالت رضي الله عنها: رضيتَه لي يا رسول الله منكحًا؟ قال رسول الله : نعم. قالت: إذن لا أعصي رسول الله ، قد أنكحته نفسي.
وبهذه الواقعة أراد النبي أن يُحطِّم الفوارق الطبقيَّة الموروثة في الجماعة المسلمة، فيردَّ الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلاَّ بالتقوى، وكان الموالي -وهم الرقيق المحرَّر– طبقة أدنى من طبقة السادة، ومن هؤلاء زيد بن حارثة t، فأراد رسول الله أن يُحقِّق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم، قريبة النبي زينب بنت جحش؛ ليُسقط تلك الفوارق الطبقيَّة بنفسه في أسرته، وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطِّمها إلاَّ فعل واقعيّ من رسول الله تتَّخذ منه الجماعة المسلمة أسوةً، وتسير البشريَّة كلها على هداه في هذا الطريق) انتهي ,
ومن هذا يتبين لنا ان ما كان يخشاه الرسول صلي الله عليه وسلم ان يقول الناس وخصوصا اليهود ان الزيجة التي تسبب فيها الرسول صلي الله عليه وسلم قد فشلت ... رغم ان هذا ليس بالامر الذي من المفترض ان يتحسس منه الرسول صلي الله عليه وسلم ومادام هدفه من هذه الزيجة هو ازالة الفوارق الاجتماعية وجعل الناس كاسنان المشط وابتغاة رضوان الله عليه فلا داعي لان يخشي الناس مادام يفعل ذلك خشية لله تعالي ...
يبقي الان قوله تعالي ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) وقلنا الخطاب فيها موجه من الرسول صلي الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه . وبينا انه اراد اخفاء امر تعاليها عليه .
يبقي الان وجه اخير من اوجه فهم الاية وهو :-
**
الوجه الثالث
الخطاب من اول قوله تعالي وتخفي حتي والله احق ان تخشاه ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشي الناس والله احق ان تخشاه ) موجه هذا الخطاب من الله تعالي للرسول صلي الله عليه وسلم . واجبنا عن السؤال المطروح سابقا ما الذي كان يخشاه رسول الله؟
يتبقي لنا سؤال واحد وهو : =
مادام الخطاب هنا موجه للرسول صلي الله عليه وسلم فما الذي كان يخفيه الرسول صلي الله عليه وسلم ؟
وللرد علي هذا السؤال انقل لكم رد واحد من العلماء المعتبرين ووافقه فيه غيره كثيرين وهو رد القاضي عياض رحمه الله يقول :-
( فإن قلت : فما معنى إذاً قوله تعالى في قصة زيد : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه [ سورة الأحزاب 33 ، الآية : 37 ] .
فاعلم ـ أكرمك الله ، و لا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه و سلم عن هذا الظاهر
و أن يأمر زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها ، كما ذكر عن جماعة من المفسرين .
و أصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن علي بن حسين ـ أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما شكاها إليه زيد قال له : أمسك عليك زوجك واتق الله . و أخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها .
وروى نحوه عمرو بن فائد ، عن الزهري ، قال : نزل جبريل على النبي يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش ، فذلك الذي أخفى في نفسه ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا : وكان أمر الله مفعولا ، أي لا بد لك أن تتزوجها .
ويوضح هذا أن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها ، فدل أنه الذي أخفاه صلى الله عليه و سلم مما كان أعلمه به تعالى . ) انتهي
وهكذا يتبين للجميع ان الايات لا تمس اخلاق الرسول صلي الله عليه وسلم اطلاقا بل علي العكس من ذلك نجد انه صلي الله عليه وسلم في هذه الاية العظيمة كان يرسي قواعد المساواة بين البشر فلا فضل لعربي علي اعجمي ولا لابيض علي اسود الا بالتقوي .. كما بينت لنا بقية الاية والتالية لها انه لا عيب في ان يتزوج الرجل من مطلقة دعيه او ارملة دعيه .. واول من بدا تطبيق هذه التعاليم علي نفسه كان المصطفي صلي الله عليه وسلم . كما كان اول من ساوي بين الطبقات وعلي اهل بيته وعائلته . حينما زوج زيدا الذي كان من الموالي ( العبيد ) للسيدة زينب وهي بنت الحسب والنسب ويكفي انها كانت ابنة عم رسول الله صلي الله عليه وسلم ...
الخلاصة ان سورة الاحزاب سورة عظيمة مليئة بالتعاليم التي افادت البشرية كلها .. فقد انهت علي التبني ( ادعوهم لابائهم ) كما ارست قواعد المساواة بين البشر وكان اول من طبق ذلك هو المصطفي عليه سلام الله .. وغير ذلك من التعاليم الهامة .
هذه هي كل الاوجه المحتملة لتفسير ايتي سورة الاحزاب مناط بحثنا . وكما قلت دونما اضافة او نقصان للايات . وان ما جاء في بعض التفاسير من ربط الايات بروايات باطلة وضعها اعداء الاسلام من المنافقين ما هو الا عبث ,, وجهل بحقيقة المصطفي صلي الله عليه وسلم الذي قال فيه المولي عز وجل ( وانك لعلي خلق عظيم ) .
هذا والله تعالي اسال ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
هشام عبد الجواد
رد شبهة زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة زينب
لقد تلقف اعداء الاسلام ماجاء في بعض كتب التفاسير . وراوا فيه وجبة دسمة للنيل من عرض المصطفي صلي الله عليه وسلم .. ولذلك كان لزاما عليّ الرد علي هذه الشبهة , رغم انه تم الرد عليها المبحث الثالث مرارا وتكرارا من قبل من عديد العلماء سواء المتقدمين او المتأخرين منهم .
ان الشبهة التي الصقوها بالرسول صلي الله عليه وسلم خاصة بزواجه بالسيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها .. والصقوها به عليه السلام بناءا علي رواية باطلة وضعها احد المنافقين من اعداء الاسلام الا انها جازت علي عديد من المفسرين ..
ولننظر الان لهذه الرواية الباطلة ثم نقارنها بما جاء في هذا الخصوص في ايات سورة الاحزاب ...
جاء في تفسير الطبري ما نصه كالتالي :-
( القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (37)
يقول تعالى ذكره لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عتابا من الله له (و) اذكر يا محمد (إذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالهداية (وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق، يعني زيد بن حارثة مولى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فألقِي في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيد، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وهو صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها(وَاتَّقِ اللَّهَ) وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها، والله مبد ما تخفي في نفسك من ذلك ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس: أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها، والله أحق أن تخشاه من الناس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام (وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أعتقه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) قال: وكان يخفي في نفسه ودَّ أنه طلقها. قال الحسن: ما أنـزلت عليه آية كانت أشد عليه منها؛ قوله (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ولو كان نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كاتما شيئا من الوحي لكتمها( وَتَخْشَى &; 20-274 &; النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) قال: خشِي نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مقالة الناس.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: ما ذاك، أرابك منها شيء؟ " قال: لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيرًا، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.
حدثني محمد بن موسى الجرشي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أَبي حمزة قال: نـزلت هذه الآية ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) في زينب بنت جحش.
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن علي بن حسين قال: كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها، قال: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال الله: ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) .
حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: لو كتم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) .
وقوله: ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) يقول تعالى ذكره: فلما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته، وهي الوطر، ومنه قول الشاعر:
وَدَّعَنـــي قَبْـــلَ أن أُوَدِّعَـــهُ
لمَّــا قَضَــى مِـنْ شَـبابِنا وَطَـرَا (1)
(زَوَّجْنَاكَهَا) يقول: زوجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبانت منه؛( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) يعني: في نكاح نساء من تبنوا وليسوا ببنيهم ولا أولادهم على صحة إذا هم طلقوهن وبِنَّ منهم ( إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يقول: إذا قضوا منهن حاجاتهم وآرابهم، وفارقوهن وحللن لغيرهم، ولم يكن ذلك نـزولا منهم لهم عنهن ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ) يقول: وكان ما قضى الله من قضاء مفعولا أي: كائنا كان لا محالة. وإنما يعني بذلك أن قضاء الله في زينب أن يتزوجها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان ماضيا مفعولا كائنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يقول: إذا طلقوهن، وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تبنى زيد بن حارثة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا ....) إلى قوله (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) إذا كان ذلك منه غير نازل لك، فذلك قول الله وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ .
حدثني محمد بن عثمان الواسطي، قال: ثنا جعفر بن عون، عن المعلى بن عرفان، عن محمد بن عبد الله بن جحش. قال: تفاخرت عائشة وزينب، قال: فقالت زينب: أنا الذي نـزل تزويجي .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: كانت زينب زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تقول للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن؛ إن جدي وجدك واحد، وإني أنكحنيك الله من السماء، وإن السفير لجبرائيل عليه السلام.) انتهي .
وكما لاحظنا تعددت التفاسير في تفسير ايتي سورة الاحزاب .. وكلها اعتمدت علي روايات باطلة سندا ومتنا .. ناهيك عن مخافة هذه الروايات والتفاسير لظاهر الايات القرانية محل البحث ..
ولننظر الان فيما جاء في الايات الخاصة بهذا الموضوع في سورة الاحزاب :-
** قال تعالي ( واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشي الناس والله احق ان تخشاه فلما قضي زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون علي المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم اذا قضوا منهن وطرا وكان امر الله مفعولا * ما كان علي النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان امر الله قدرا مقدورا * ) الاحزاب 37 و 38 .
ان هاتين الايتيتن لهما ثلاثة اوجه جائزة للتأويل والفهم . وساقوم الان بسردهم واحدا تلو الاخر غير انني انوه هنا ان الوجه الاول لفهم الايات هو الاقرب عندي للصحة وان كنت لا انفي الوجهين الاخرين ,, خصوصا وكما سيتبين لنا ان الاوجه الثلاثة لفهم الايات لا توجد بهم اي اساءة للرسول صلي الله عليه وسلم .. مع ملاحظة انني لن احذف حرفا واحدا من الايات ولن اضيف حرفا ...
**
الوجه الاول :-
ان الضمير في الاية 37 كله هو ضمير المخاطب وهو سيدنا زيد رضي الله عنه اما المتكلم فهو محمد صلي الله عليه وسلم .. وذلك بعد قول الله تعالي ( واذ تقول ) اي يا محمد ( للذي انعم الله عليه ) اي زيد الذي انعم الله عليه بالاسلام ( وانعمت عليه ) اي انعمت عليه يا محمد بالحرية وان جعلته حبا لك .. ثم ينتقل الخطاب كله من محمد صلي الله عليه وسلم الي زيد رضي الله عنه فيقول ( امسك عليك زوجك ) يا زيد ( واتق الله ) يا زيد ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) يا زيد ( والله احق ان تخشاه ) يا زيد حتي ( فلما قضي زيد منها وطرا زوجناكها ) ...
وكما قلت هذا مما تحتمله الاية دون ادني شك فالتوجيه كله من رسول الله صلي الله عليه وسلم لزيد ابن حارثة رضي الله عنه ..
وهنا نجد ان الاية لا يوجد بها لا من قريب او بعيد اي لوم او عتاب للرسول صلي الله عليه وسلم .. كما يتبين معنا ان الروايات التي ذكرتتها التفاسير لا علاقة لها بالاية انما هي من وضع اعداء الاسلام للنيل من خلق المصطفي صلي الله عليه وسلم ..
السؤال الذي قد يطرحه احد القراء وهو ما الذي كان يخفيه زيد وسيبديه الله؟
اقول وعلي الله قصد السبيل ان السيدة زينب رضي الله عنها كانت تتعالي علي سيدنا زيد بكونها هاشمية وبكونها يجمعها والرسول صلي الله عليه وسلم جد واحد . اي انها كانت تتفاخر عليه بحسبها ونسبها .. وهذا امر لا يعيب زيدا علي الاطلاق فقد جاء الرسول صلي الله عليه وسلم لازلة الفوارق والطبقات الاجتماعية وجعل الناس سواسية كاسنان المشط .. وبالتالي ان ظهر وانتشر امر التعالي هذا للناس فانه لا يضير زيدا رضي الله عنه اطلاقا ... لذلك قال له الرسول ص ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) اي من امر تعالي زينب عليه ( وتخشي الناس والله احق ان تخشاه ) اي تخشي القيل والقال مع ان خشية الله هي الحصن والسكن والراحة .
**
الوجه الثاني :-
ان الخطاب في الاية تناول الرسول صلي الله عليه وسلم وزيد رضي الله عنه معا .. فلاحظ الان :
( واذا تقول ) الخطاب من الله تعالي لرسول الله ( للذي انعم الله عليه ) اي زيد الذي انعم الله عليه بالاسلام ( وانعمت عليه ) اي انعمت عليه يا محمد بالحرية بعد ان كان من العبيد وانعمت عليه بان جعلته من المقربين لك .. ( امسك عليك زوجك ) الخطاب الان من محمد لزيد ( واتق الله ) يا زيد ( وتخشي الناس والله احق ان تخشاه ) يمكن القول ان الخطاب هنا من الله تعالي لمحمد صلي الله عليه وسلم .
ولكن ما الذي كان يخفيه الرسول صلي الله عليه وسلم ويخشي الناس فيه ؟
الاجابة علي السؤال تقتضي العلم بان الرسول صلي الله عليه وسلم كان هو السبب الرئيس في اتمام زواج زيد لزينب ..
جاء في تهذيب الكمال للمزي والاعلام للزركلي وغيرهم من السير ما يلي :-
(
انطلق رسول الله ليخطب لزيد بن حارثة ، فدخل على زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فخطبها، فقالت: لستُ بناكحته. فقال رسول الله : "بَلْ فَانْكِحِيهِ". قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدَّثان، أنزل الله تعالى قوله على رسوله : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، فقالت رضي الله عنها: رضيتَه لي يا رسول الله منكحًا؟ قال رسول الله : نعم. قالت: إذن لا أعصي رسول الله ، قد أنكحته نفسي.
وبهذه الواقعة أراد النبي أن يُحطِّم الفوارق الطبقيَّة الموروثة في الجماعة المسلمة، فيردَّ الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلاَّ بالتقوى، وكان الموالي -وهم الرقيق المحرَّر– طبقة أدنى من طبقة السادة، ومن هؤلاء زيد بن حارثة t، فأراد رسول الله أن يُحقِّق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم، قريبة النبي زينب بنت جحش؛ ليُسقط تلك الفوارق الطبقيَّة بنفسه في أسرته، وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطِّمها إلاَّ فعل واقعيّ من رسول الله تتَّخذ منه الجماعة المسلمة أسوةً، وتسير البشريَّة كلها على هداه في هذا الطريق) انتهي ,
ومن هذا يتبين لنا ان ما كان يخشاه الرسول صلي الله عليه وسلم ان يقول الناس وخصوصا اليهود ان الزيجة التي تسبب فيها الرسول صلي الله عليه وسلم قد فشلت ... رغم ان هذا ليس بالامر الذي من المفترض ان يتحسس منه الرسول صلي الله عليه وسلم ومادام هدفه من هذه الزيجة هو ازالة الفوارق الاجتماعية وجعل الناس كاسنان المشط وابتغاة رضوان الله عليه فلا داعي لان يخشي الناس مادام يفعل ذلك خشية لله تعالي ...
يبقي الان قوله تعالي ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) وقلنا الخطاب فيها موجه من الرسول صلي الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه . وبينا انه اراد اخفاء امر تعاليها عليه .
يبقي الان وجه اخير من اوجه فهم الاية وهو :-
**
الوجه الثالث
الخطاب من اول قوله تعالي وتخفي حتي والله احق ان تخشاه ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشي الناس والله احق ان تخشاه ) موجه هذا الخطاب من الله تعالي للرسول صلي الله عليه وسلم . واجبنا عن السؤال المطروح سابقا ما الذي كان يخشاه رسول الله؟
يتبقي لنا سؤال واحد وهو : =
مادام الخطاب هنا موجه للرسول صلي الله عليه وسلم فما الذي كان يخفيه الرسول صلي الله عليه وسلم ؟
وللرد علي هذا السؤال انقل لكم رد واحد من العلماء المعتبرين ووافقه فيه غيره كثيرين وهو رد القاضي عياض رحمه الله يقول :-
( فإن قلت : فما معنى إذاً قوله تعالى في قصة زيد : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه [ سورة الأحزاب 33 ، الآية : 37 ] .
فاعلم ـ أكرمك الله ، و لا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه و سلم عن هذا الظاهر
و أن يأمر زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها ، كما ذكر عن جماعة من المفسرين .
و أصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن علي بن حسين ـ أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما شكاها إليه زيد قال له : أمسك عليك زوجك واتق الله . و أخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها .
وروى نحوه عمرو بن فائد ، عن الزهري ، قال : نزل جبريل على النبي يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش ، فذلك الذي أخفى في نفسه ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا : وكان أمر الله مفعولا ، أي لا بد لك أن تتزوجها .
ويوضح هذا أن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها ، فدل أنه الذي أخفاه صلى الله عليه و سلم مما كان أعلمه به تعالى . ) انتهي
وهكذا يتبين للجميع ان الايات لا تمس اخلاق الرسول صلي الله عليه وسلم اطلاقا بل علي العكس من ذلك نجد انه صلي الله عليه وسلم في هذه الاية العظيمة كان يرسي قواعد المساواة بين البشر فلا فضل لعربي علي اعجمي ولا لابيض علي اسود الا بالتقوي .. كما بينت لنا بقية الاية والتالية لها انه لا عيب في ان يتزوج الرجل من مطلقة دعيه او ارملة دعيه .. واول من بدا تطبيق هذه التعاليم علي نفسه كان المصطفي صلي الله عليه وسلم . كما كان اول من ساوي بين الطبقات وعلي اهل بيته وعائلته . حينما زوج زيدا الذي كان من الموالي ( العبيد ) للسيدة زينب وهي بنت الحسب والنسب ويكفي انها كانت ابنة عم رسول الله صلي الله عليه وسلم ...
الخلاصة ان سورة الاحزاب سورة عظيمة مليئة بالتعاليم التي افادت البشرية كلها .. فقد انهت علي التبني ( ادعوهم لابائهم ) كما ارست قواعد المساواة بين البشر وكان اول من طبق ذلك هو المصطفي عليه سلام الله .. وغير ذلك من التعاليم الهامة .
هذه هي كل الاوجه المحتملة لتفسير ايتي سورة الاحزاب مناط بحثنا . وكما قلت دونما اضافة او نقصان للايات . وان ما جاء في بعض التفاسير من ربط الايات بروايات باطلة وضعها اعداء الاسلام من المنافقين ما هو الا عبث ,, وجهل بحقيقة المصطفي صلي الله عليه وسلم الذي قال فيه المولي عز وجل ( وانك لعلي خلق عظيم ) .
هذا والله تعالي اسال ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
هشام عبد الجواد
مواضيع مماثلة
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 10
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 11
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 12
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 13
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 14
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 11
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 12
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 13
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 14
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى