الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 10
صفحة 1 من اصل 1
الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 10
لقد عاني الرسول صلي الله عليه وسلم معاناة شديدة هو واصحابه . دونما اي سبب الا انه دعي لعبادة اله واحد . ولكنهم صبروا وثابروا حتي لم يبفي امامهم الا ان يهاجروا . ورغم هذا الاضطهاد الشديد الذي تجاوز حدود التعذيب والاهانة الي حد القتل والتجويع والحصار . الا ان الرسول صلي الله عليه وسلم لم يامر بمقابلة التعذيب والاضطهاد والقتل . بحملات ارهابية ترويعية . ذلك انه صلي الله عليه وسلم كان فردا من اولئك الناس الخاضعون لسيادة القبيلة التي ينتمي اليها . فصبر حتي لم يعد من الهجرة بد فهاجر هو واصحابه . وحينما اصبح الرسول صلي الله عليه وسلم قائدا مسئولا عن الدولة الاسلامية كان عليه ان يحمي هذه الدولة من اي اعتداء . وكان صلي الله عليه وسلم يتحاشي الحرب دائما . الا ان اعداء الاسلام ما تركوه واصحابه يهنئون بعيشهم . وكثرت اعتداءاتهم علي كثير من الصحابة . وقتلوا منهم الكثير غدرا وخسة .
( يقول الكتاب الاوربيون ان النبي هو الذي اشعل شرارة احداث الحرب مع قبائل شبه الجزيرة العربية . ولذا فهو المسئول عن هذه الحروب . ولذا فهو يعتبر المعتدي . ولكن الحقيقة ان امامنا ثلاثة عشر عاما من طغيان اهل مكة . ومكائدهم لاستعداء القبائل الاخري علي المسلمين . ولا يمكن لمن يضع كل هذا نصب عينيه ان يتهم الرسول بالمسئولية عن اشعال الحرب . وان اضطر ان يرسل بعض السرايا للاستطلاع . فهذا دفاع عن النفس . ان ثلاثة عشر عاما من الاضطهاد والقتل والتعذيب كانت كافية لان يتخذ المسلمون كافة الوسائل للدفاع عن انفسهم . فاذا نشبت الحرب بينهم وبين اهل مكة فان المسئولية لا تقع علي عاتق المسلمين . ان الامم المسيحية تشعل الحروب لاسباب ادني واوهن كثيرا من ذلك . ولو ان نصف ما ارتكبه اهل مكة ضد المسلمين قد ارتكبه بلد في حق احد الشعوب المسيحية . لوجدوا فيه المبرر الكافي الذي يدفعهم لشن الحرب . بل وانهم يقومون بالحروب كثيرا دونما سبب معقول . فحين يقوم شعب في بلد ما بالتدبير والتخطيط والتعبئة الشاملة للقضاء علي شعب اخر . وحين يرغم شعب ما شعبا اخر علي الخروج من دياره . الا يعطي هذا للضحايا الحق في شن الحرب ؟ . ان المسلمين ما كانوا في حاجة لسبب اضافي لشن الحرب علي مكة بعد ان اضطرهم اهلها للخروج منها والهجرة الي المدينة . ورغم كل ذلك لم يعلن الرسول صلي الله عليه وسلم الحرب . لقد اظهر تسامحا وقصر كل انشطته الدفاعية علي الاستطلاع فقط . بينما استمر اهل مكة في اثارة قلق المسلمين وازعاجهم . وحرضوا اهل المدينة ضدهم . وتدخلوا فمنعوهم حقهم في الحج . وغيروا طرق قوافلهم المعتادة . واندسوا في القبائل المحيطة بالمدينة وحرضوهم علي المسلمين . وتهدد سلام المدينة . وهكذا صار واجبا واضحا علي المسلمين ان يقبلوا التحدي . تحدي الحرب الذي كان اهل مكة يطرحونه طيلة اربعة عشرة عاما كاملة . وتحت هذه الظروف والملابسات لا يمكن لعاقل ان ينازع في حق المسلمين ان يقبلوا التحدي . ) *1
لننظر الان كيف وقعت معركة بدر وما هي ملابسات وقوعها .
*** غزوة بدر
( كان اهل مكة يستعدون من اجل ترتيبات الحرب . وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يخطط من اجل وضع الترتيبات العملية وارساء القواعد وسن القوانين التي لن تفيد مجتمعه وجيله الخاص من العرب فقط . بل تفيد الانسانية كلها . وعلي مدي التاريخ . وهكذا بينما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يخطط لارساء القانون الذي يضع منهجا للحياة يكون كفيلا لان يجلب السلام لقومه وللاخرين . ويفتح للجميع طريق المجد والتقدم . كان اعداؤه من اهل مكة علي العكس من ذلك يخططون من اجل تحطيم ذلك المنهج . والقضاء علي ذلك القانون . وقد ترتبت علي خططهم نتائج وتداعيات اثمرت ثمرتها في موقعة بدر .
كان قد مر علي الهجرة ثمانية عشر شهرا . وكان ابو سفيان علي راس قافلة تجارية عائدة من الشام . وتحت مظلة الاحتجاج بحماية هذه القافلة . حشد اهل مكة جيشا ضخما وقرروا تسييره الي المدينة . وعرف الرسول صلي الله عليه وسلم بهذه الاستعدادات . وجاءه الوحي من الله تعالي ان الوقت قد حان لسداد الدين الي العدو وبنفس الطريقة . خرج الرسول صلي الله عليه وسلم من المدينة ومعه عدد من اصحابه . ولم يكن يعلم حتي هذا الاوان ما اذا كانت هذه الفئة المسلمة ستلقي القافلة العائدة من الشام او الجيش القادم من مكة . وكان عدد المسلمين حوالي الثلاثمائة . لم تكن القوافل في هذه الايام تقتصر علي الابل المحملة بالبضائع . بل كانت تشمل ايضا جنودا مسلحين يحرسون القافلة ويصحبونها خلال رحلتها . وحينما اشتد التوتر بين اهل مكة ومسلمي المدينة . اخذ سادة مكة يولون عناية خاصة لتسليح القوة المرافقة للقوافل . وسجلت الوثائق التاريخية حقيقة ان هناك قافلتين اخريين مرتا علي هذا الطريق قبل فترة قصيرة . وبلغ عدد الحراس المرافقين في قافلة منهما مائتي رجل مسلح . وفي الاخري ثلاثمائة .
وانه لافتراض خاطيء ان نظن -- كما يفعل الكتاب المسيحيون -- ان الرسول صلي الله عليه وسلم اخذ معه ثلاثمائة من اتباعه وتوجه بهم ليهاجم قافلة تجارية لا ترافقها قوة للدفاع . فان هذا ظن فاسد ولا اساس له من الصحة . فتلك القافلة القادمة من الشام كانت ضخمة . وبالنظر الي حجمها وحجم الحراسة المسلحة التي ترافق القوافل الاخري . كان من المتوقع ان تكون تلك القافلة في حراسة قوة كبيرة تتراوح بين اربعمائة او خمسمائة من الحراس المسلحين المرافقين لها .
وانه لمن الظلم البالغ الزعم بان فئة قليلة من المسلمين . قوامها ثلاثمائة فرد ضعفاء التسليح . قد خرجوا بقيادة الرسول صلي الله عليه وسلم لمهاجمة وسلب قافلة جيدة التسليح كهذه . ان هذا تفكير المتحاملين علي الاسلام الذين لا يضمرون سوي سوء النية المتعمد بغير عقل او منطق .
لقد بلغت المسلمين انباء متضاربة تتعلق بحجم جيش مكة . واقربها للحقيقة كان يحدد العدد بالف . كلهم من المقاتلين المجهزين بالسلاح والمدربين علي فنون الحرب . وكان العدد الذي صحب الرسول صلي الله عليه وسلم يبلغ ثلاثمائة وثلاثة عشر ليس الا .
منهم كثيرون بلا خبرة ولا تدريب . واغلبهم ضعيف التسليح . وكانت الجمهرة الكبيرة منهم يمشون علي اقدامهم او محمولون علي ابل . وليس عندهم جميعا سوي فرسين .
لقد اضطرت هذه الفئة القليلة التي كانت تفتقر الي اسلحة الحرب وخبرة القتال الي مواجهة قوة تبلغ ثلاثة امثالها في العدد . تتكون في غالبيتها من مقاتلين مدربين ذوي حنكة وخبره . وانه لمن الواضح تماما ان اتخاذ قرار بهذه المواجهة كان اكثر القرارات التي تم اتخاذها علي الاطلاق في خطورتها علي مدي التاريخ كله . وكان الرسول صلي الله عليه وسلم من الحكمة بحيث يتاكد الا يشترك احد في المعركة القادمة بغير علم سابق . او دون ان تكون موافقته نابعة من صميم قلبه . وارادته الحرة . فاخبر اصحابه بوضوح انهم لم يعودوا يواجهون احتمال لقاء القافلة . بل هو جيش مكة الان . وسال الناس المشورة . وقام الواحد تلو الاخر من المهاجرين يؤكدون للرسول صلي الله عليه وسلم ولاءهم وحماسهم وتصميمهم علي القتال ضد جيش مكة . الذي جاء ليهاجم مسلمي المدينة في وطنهم وبيوتهم . وكرر الرسول صلي الله عليه وسلم طلب المشورة بعد كل مرة يستمع فيها الي واحد من المهاجرين . وكان الانصار من اهل المدينة صامتين حتي الان . فالمعتدون كانوا من مكة . وتربطهم روابط الدم بكثير من هؤلاء المهاجرين الذين كانوا يشكلون جزءا من هذه الفئة القليلة . وقد خشي الانصار ان يقولوا شيئا يجرح مشاعر اخوانهم المهاجرين . اذا اظهروا رغبتهم وحماستهم لقتال اهل مكة .
ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :- اشيروا علي ايها الناس . وكان يقصد الانصار . وذلك انهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله انا براء من ذمتك حتي تصل الي ديارنا . فاذا وصلت الينا فانت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه ابناءنا ونساءنا . فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتخوف الا يكون الانصار يرون ان عليهم نصره الا ممن دهمه من عدوه بالمدينة . وان ليس عليهم ان يسير بهم الي عدو من بلاده . ولكن عندما اصر الرسول صلي الله عليه وسلم علي تكرار طلب المشورة . قال له سعد بن معاذ رضي الله عنه :- والله لكانك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : - اجل . قال له سعد بن معاذ :- والله لقد امنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق . واعطيناك علي ذلك عهودنا ومواثيقنا والطاعة . فامض يا رسول الله الي ما عزمت فنحن معك . فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد . وما نكره ان تلقي بنا عدونا غدا . انا لصبر في الحرب صدق في اللقاء . لعل الله يريك منا ما تقر به .
وقام ايضا من الانصار المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال :- يا رسول الله امض لما اراك الله فنحن معك . والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسي اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون . ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون . فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا الي برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتي تبلغه . ( راجع البخاري كتاب المغازي وسيرة ابن هشام ) .
كانت تلك هي روح الحب والتضحية التي اظهرها المسلمون الاول . والتي لم يوجد لها مثيل في تاريخ العالم كله . لقد مر بنا كيف تخاذل بنو اسرائيل عن نصرة نبيهم موسي . وكذا حدث مع عيسي عليه السلام فقد تخلي عنه حوارييوه في احلك الظروف والمواقف . اذا خانه احدهم واسلمه للعدو لقاء مبلغ حقير . وانكره الاخر وصب عليه اللعنات . بينما لاذ الاخرون بالفرار وناموا في ساعة العسرة . اما الانصار في المدينة الذين خرجوا مع الرسول صلي الله عليه وسلم فلم يكن قد مضي علي صحبتهم له سوي عام ونصف . ومع ذلك فقد بلغوا تلك القوة التي لا مثيل لها في عالم الايمان . بحيث لو امرهم الرسول صلي الله عليه وسلم ان يلقوا بانفسهم في خضم البحر لكانوا طوع امره دون اي تردد . لقد حصل الرسول صلي الله عليه وسلم علي المشورة التي طلبها . ولكنه لم يكن لديه ادني شك في حب اتباعه وصدق اخلاصهم . لقد طلب المشورة ليغربل منهم الضعيف ويقصيه بعيدا . فوجد المهاجرين من اهل مكة والانصار من اهل المدينة وكل منهم يباري الاخر في الحب والتضحية . وكلاهما قد صمم الا يولي العدو ظهره .
حتي ولو كان العدو يفوقهم في العدد والعتاد مرات ومرات . واشد منهم خبرة بفنون القتال . لقد وضعوا كل ثقتهم في الله جل جلاله . واظهر كل من المهاجرين والانصار معا عظمة تقديرهم للاسلام . وقدموا ارواحهم ومهجهم للدفاع عنه .
اقترب موعد المعركة فاطل الرسول صلي الله عليه وسلم من عريش كان قد نصب له ليصلي فيه وقال معلنا :-
( سيهزم الجمع ويولون الدبر )
كانت هذه هي الكلمات التي سبق ان اوحيت له في مكة من قبل . وكانت تخص هذه الموقعة . فحين بلغت وحشية مكة اقصي الحدود . وراح المسلمون يهاجرون الي الاماكن التي يستطيعون ان يجدوا فيها الامان . تلقي الرسول صلي الله عليه وسلم من ربه الوحي التالي الذي تضمنته هذه الايات .
( ولقد جاء ال فرعون النذر * كذبوا باياتنا كلها فاخذناهم اخذ عزيز مقتدر * اكفاركم خير من اولئكم ام لكم براءة في الذبر * ام يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة ادهي وامر * ان المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار علي وجوههم ذوقوا مس سقر * ) الفمر 42 49 .
هذه الايات جزء من سورة القمر . وقد نزلت هذه السورة طبقا لكل الروايات في مكة . وحدد المفسرون المسلمون التاريخ الذي نزلت فيه بين السنة والخامسة والعاشرة من بعثة الرسول صلي الله عليه وسلم . اي بثلاث سنوات قبل الهجرة من مكة الي المدينة . والاحتمال الاقرب هو ثماني سنوات قبل الهجرة الي المدينة . ويتفق الباحثون الاوربيون مع هذا الراي . ان قيمة الانباء الغيبية الواردة في الايات الكريمة فوق كل شبهة واختلاف فهي تحمل اشارة واضحة الي ما يخبئه القدر لاهل مكة في موقعة بدر . وقد جاء بوضوح نبا المصير الذي هم منزلقون اليه . وعندما اطل الرسول صلي الله عليه وسلم من العريش . كرر ذكر شرح النبا الغيبي الوارد في السورة . ولابد انه قد تلقي من الله تذكيرا بهذه الايات خلال صلاته في العريش . وبتلاوته احداها فقد ذكر صحابته ان الساعة الموعودة قد حانت .
وفعلا كانت الساعة قد حانت كما سبق ان تنبا بها اشعياء النبي في اصحاحه الاعداد التالية ( وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان ارض تيماء وافوا الهارب بخبزه . فانهم من امام السيوف قد هربوا من امام السيف المسلول ومن امام القوس المشدودة ومن امام شدة الحرب . فانه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الاجير يفني كل مجد قيدار . وبقية عدد قسي ابطال بني قيدار تقل لان الرب اله اسرائبل قد تكلم ) اشعياء اصحاح 21 اعداد من 13 الي 17 .
لقد بدات المعركة مع ان المسلمين لم يكونوا علي درجة الاستعداد المطلوبة . ورغم ان مشركي مكة تلقوا النصح الا يتورطوا فيها . كان هناك ثلاثمائة وثلاثة عشر من المسلمين اغلبهم لا خبرة لهم ولم يتعودوا القتال . وجميعهم تقريبا بلا عدة . يواجهون عدو يبلغ ثلاثة اضعاف عددهم من الجنود . كلهم من المقاتلين المتمرسين . وفي ساعات قلائل لقي العديد من زعمائهم البارزين حتفهم . تماما كما تنبا اشعياء النبي حيث قال ( يفني كل مجد قيدار ) . وفر جيش مكة في عجلة بائسة . تاركا خلفه قتلاه وبعض الاسري .
ومن الاسري كان العباس عم الرسول صلي الله عليه وسلم الذي كان يسانده عندما كان في مكة . وقد ارغم علي الانخراط في جيش مكة وقتال النبي . واسير اخر هو ابو العاص . زوج ابنة الرسول صلي الله عليه وسلم . ومن القتلي كان ابو جهل . القائد الاعلي لجيش مكة . وكان بحق راس اعداء الاسلام . وجاء النصر ولكنه اتي معه بكثير من المشاعر والاحاسيس المختلطة للرسول صلي الله عليه وسلم . لقد فرح بتحقق وعود الله المتكررة عبر اربعة عشر عام خلت . وعود ايضا جاء ذكرها في بعض كتب الاديان السابقة . ولكن اصابه الحزن علي المازق الذي حل باهل مكة . فما اشقاها تلك النهاية التي ال حالهم اليها . ولو كان شخص اخر غيره قد حقق هذا النصر لقفز فرحا وسرورا . ولكن منظر العباس امامه مقيد الارجل مغلول اليدين اسال الدمع من عين الرسول صلي الله عليه وسلم ومن عين صديقه المخلص ابو بكر رضي الله عنه . لقد راي عمر رضي الله عنه ايضا ذلك المشهد . ولكنه لم يستطع ان يفهم السبب في بكاء النبي وابي بكر بعد ان تحقق النصر . كان عمر متحيرا ولذا تجاسر ليسال الرسول صلي الله عليه وسلم قائلا :- لم البكاء يا رسول الله وقد من الله عليك بنصر عظيم ؟ فان كان لابد من البكاء لبكيت معكم او لتباكيت . فاشار الرسول صلي الله عليه وسلم الي بؤس الاسري من اهل مكة . ذلك البؤس الشديد الذي يرثي له . فهذا ما يؤدي اليه عصيان الله تعالي .
لقد تكلم اشعياء النبي عن عدل هذا النبي مرارا وتكرارا . الذي خرج ظافرا من معركة قاتلة . وقد ظهر مصداق ذلك بجلاء ووضوح في هذه المناسبة . وفي اثناء العودة الي المدينة استراح الرسول ليلة في الطريق . ولكن صحابته المخلصين راوه يتقلب علي جانبيه ولا يستطيع النوم . اذ كان العباس بالقرب منه يرسف في قيوده . وخمنوا ان السبب في ارق الرسول صلي الله عليه وسلم هو صوت عمه العباس الذي يئن علي مسمع منه وقيوده مشدودة باعتباره اسير حرب . فخففوا من وثاق العباس ليكف عن انينه . وراح الرسول صلي الله عليه في النوم بعد ان كف انين العباس عن ازعاجه . ولكنه بعد قليل نهض وسال مستعجبا . لما لم يعد صوت العباس مسموعا ؟ ولكن الحراس من صحابته صرحوا له انهم ارخوا قيود العباس قليلا كي يستطيع الرسول الحصول علي قسط من النوم . فرفض الرسول صلي الله عليه وسلم ان يظلم احد من الاسري بالتفرقة بينه وبين غيره . وذكر لهم انه اذا كان العباس من اقربائه . فان الاخرين كذلك اقرباء لاخرين منهم . وعلي ذلك ينبغي ان يرخوا القيود عن كل الاسري او يشدوها علي العباس مثل الاخرين . وقد استمع الصحابة لهذه اللفتة . وقرروا ان يرخوا القيود عن كل الاسري . وتحملوا علي عاتقهم مسئولية الحراسة الامنة .
اما عن الاسري فمن كان منهم من القارئين . فقد نالوا وعدا باسترداد حريتهم ان هم علموا عشرة صبية من ابناء المهاجرين القراءة والكتابة . وكانت هذه فديتهم مقابل الحرية . واما الذين لم يكن لهم من يدفع فديتهم . فقد وهبوا حريتهم حينما سالوها . واما الذين امكنهم دفع الفدية فقد نالوا الحرية بعدما دفعوها . وبتحرير كل الاسري بهذه الطريقة . وضع الرسول صلي الله عليه وسلم نهاية للمارسات الوحشية التي كانت تحول اسير الحرب الي عبد مملوك تنتهك حرياته وينكل به ويهان . ) 2انتهي .
هذه نبذة بسيطة من تطبيقات الرسول صلي الله عليه وسلم لتعاليم القران في حال الحرب والسلم . وسنوالي في السطور القادمة سردا لبعض الغزوات الاخري .
ان المستشرقين المسيحيين تحاملوا علي الاسلام تحاملا شديدا غير مبرر الا بدواع من الحقد والكره . كما تحاملوا علي الرسول صلي الله عليه وسلم . في الوقت الذي قامت الحروب من الدول المسيحية ضد دول اخري بدون اسباب منطقية . وكان عدوان هذه الشعوب الغربية قاسيا وفجا . ولم يخرج علينا احد هؤلاء المسترقين حتي ليستنكر او يدين . انه الحقد والتعصب الاعمي .
لقد قتل الهنود الحمر في امريكا عن بكرة ابيهم ولم ينبث احد ببنت شفة .
وقتل مئات الالاف في هيروشيما ونجازاكي وتشوه وتضرر الملايين ولم نسمع كلمة اسف .
وسراييفو والعراق والبوسنة والهرسك ولم يحرك احدا ساكنا .
اما حينما يخرج الرسول صلي الله عليه وسلم فقط وفقط فقط لرد المعتدين والدفاع عن انفسهم يقيم هؤلاء المستشرقين الدنيا ولا يقعدوها . اهو الكيل بمكيالين ؟ بل هو الكيل بمكاييل عدة .. انه المكيال الذي يزن به الغرب المسيحي لنفسه وللاخرين . فان وزنوا لانفسهم طففوا وان وزنوا للاخرين خسروهم وهضموهم حقوقهم .
-----------------------------------------------------------------------------
1 = ما جاء بين القوسين باستثناء ايات القران وفقرات من الكتاب المقدس تم نقله بتصرف من كتاب حياة محمد لحضرة ميرزا بشير الدين محموداحمد رضي الله عنه
2 = نفس المصدر
الكتاب قام بترجمته من الاردية للعربية المهندس فتحي عبد السلام جزاه الله عنا كل خير وجعله في ميزان حسناته .
---------------------------------------
هشام عبد الجواد
( يقول الكتاب الاوربيون ان النبي هو الذي اشعل شرارة احداث الحرب مع قبائل شبه الجزيرة العربية . ولذا فهو المسئول عن هذه الحروب . ولذا فهو يعتبر المعتدي . ولكن الحقيقة ان امامنا ثلاثة عشر عاما من طغيان اهل مكة . ومكائدهم لاستعداء القبائل الاخري علي المسلمين . ولا يمكن لمن يضع كل هذا نصب عينيه ان يتهم الرسول بالمسئولية عن اشعال الحرب . وان اضطر ان يرسل بعض السرايا للاستطلاع . فهذا دفاع عن النفس . ان ثلاثة عشر عاما من الاضطهاد والقتل والتعذيب كانت كافية لان يتخذ المسلمون كافة الوسائل للدفاع عن انفسهم . فاذا نشبت الحرب بينهم وبين اهل مكة فان المسئولية لا تقع علي عاتق المسلمين . ان الامم المسيحية تشعل الحروب لاسباب ادني واوهن كثيرا من ذلك . ولو ان نصف ما ارتكبه اهل مكة ضد المسلمين قد ارتكبه بلد في حق احد الشعوب المسيحية . لوجدوا فيه المبرر الكافي الذي يدفعهم لشن الحرب . بل وانهم يقومون بالحروب كثيرا دونما سبب معقول . فحين يقوم شعب في بلد ما بالتدبير والتخطيط والتعبئة الشاملة للقضاء علي شعب اخر . وحين يرغم شعب ما شعبا اخر علي الخروج من دياره . الا يعطي هذا للضحايا الحق في شن الحرب ؟ . ان المسلمين ما كانوا في حاجة لسبب اضافي لشن الحرب علي مكة بعد ان اضطرهم اهلها للخروج منها والهجرة الي المدينة . ورغم كل ذلك لم يعلن الرسول صلي الله عليه وسلم الحرب . لقد اظهر تسامحا وقصر كل انشطته الدفاعية علي الاستطلاع فقط . بينما استمر اهل مكة في اثارة قلق المسلمين وازعاجهم . وحرضوا اهل المدينة ضدهم . وتدخلوا فمنعوهم حقهم في الحج . وغيروا طرق قوافلهم المعتادة . واندسوا في القبائل المحيطة بالمدينة وحرضوهم علي المسلمين . وتهدد سلام المدينة . وهكذا صار واجبا واضحا علي المسلمين ان يقبلوا التحدي . تحدي الحرب الذي كان اهل مكة يطرحونه طيلة اربعة عشرة عاما كاملة . وتحت هذه الظروف والملابسات لا يمكن لعاقل ان ينازع في حق المسلمين ان يقبلوا التحدي . ) *1
لننظر الان كيف وقعت معركة بدر وما هي ملابسات وقوعها .
*** غزوة بدر
( كان اهل مكة يستعدون من اجل ترتيبات الحرب . وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يخطط من اجل وضع الترتيبات العملية وارساء القواعد وسن القوانين التي لن تفيد مجتمعه وجيله الخاص من العرب فقط . بل تفيد الانسانية كلها . وعلي مدي التاريخ . وهكذا بينما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يخطط لارساء القانون الذي يضع منهجا للحياة يكون كفيلا لان يجلب السلام لقومه وللاخرين . ويفتح للجميع طريق المجد والتقدم . كان اعداؤه من اهل مكة علي العكس من ذلك يخططون من اجل تحطيم ذلك المنهج . والقضاء علي ذلك القانون . وقد ترتبت علي خططهم نتائج وتداعيات اثمرت ثمرتها في موقعة بدر .
كان قد مر علي الهجرة ثمانية عشر شهرا . وكان ابو سفيان علي راس قافلة تجارية عائدة من الشام . وتحت مظلة الاحتجاج بحماية هذه القافلة . حشد اهل مكة جيشا ضخما وقرروا تسييره الي المدينة . وعرف الرسول صلي الله عليه وسلم بهذه الاستعدادات . وجاءه الوحي من الله تعالي ان الوقت قد حان لسداد الدين الي العدو وبنفس الطريقة . خرج الرسول صلي الله عليه وسلم من المدينة ومعه عدد من اصحابه . ولم يكن يعلم حتي هذا الاوان ما اذا كانت هذه الفئة المسلمة ستلقي القافلة العائدة من الشام او الجيش القادم من مكة . وكان عدد المسلمين حوالي الثلاثمائة . لم تكن القوافل في هذه الايام تقتصر علي الابل المحملة بالبضائع . بل كانت تشمل ايضا جنودا مسلحين يحرسون القافلة ويصحبونها خلال رحلتها . وحينما اشتد التوتر بين اهل مكة ومسلمي المدينة . اخذ سادة مكة يولون عناية خاصة لتسليح القوة المرافقة للقوافل . وسجلت الوثائق التاريخية حقيقة ان هناك قافلتين اخريين مرتا علي هذا الطريق قبل فترة قصيرة . وبلغ عدد الحراس المرافقين في قافلة منهما مائتي رجل مسلح . وفي الاخري ثلاثمائة .
وانه لافتراض خاطيء ان نظن -- كما يفعل الكتاب المسيحيون -- ان الرسول صلي الله عليه وسلم اخذ معه ثلاثمائة من اتباعه وتوجه بهم ليهاجم قافلة تجارية لا ترافقها قوة للدفاع . فان هذا ظن فاسد ولا اساس له من الصحة . فتلك القافلة القادمة من الشام كانت ضخمة . وبالنظر الي حجمها وحجم الحراسة المسلحة التي ترافق القوافل الاخري . كان من المتوقع ان تكون تلك القافلة في حراسة قوة كبيرة تتراوح بين اربعمائة او خمسمائة من الحراس المسلحين المرافقين لها .
وانه لمن الظلم البالغ الزعم بان فئة قليلة من المسلمين . قوامها ثلاثمائة فرد ضعفاء التسليح . قد خرجوا بقيادة الرسول صلي الله عليه وسلم لمهاجمة وسلب قافلة جيدة التسليح كهذه . ان هذا تفكير المتحاملين علي الاسلام الذين لا يضمرون سوي سوء النية المتعمد بغير عقل او منطق .
لقد بلغت المسلمين انباء متضاربة تتعلق بحجم جيش مكة . واقربها للحقيقة كان يحدد العدد بالف . كلهم من المقاتلين المجهزين بالسلاح والمدربين علي فنون الحرب . وكان العدد الذي صحب الرسول صلي الله عليه وسلم يبلغ ثلاثمائة وثلاثة عشر ليس الا .
منهم كثيرون بلا خبرة ولا تدريب . واغلبهم ضعيف التسليح . وكانت الجمهرة الكبيرة منهم يمشون علي اقدامهم او محمولون علي ابل . وليس عندهم جميعا سوي فرسين .
لقد اضطرت هذه الفئة القليلة التي كانت تفتقر الي اسلحة الحرب وخبرة القتال الي مواجهة قوة تبلغ ثلاثة امثالها في العدد . تتكون في غالبيتها من مقاتلين مدربين ذوي حنكة وخبره . وانه لمن الواضح تماما ان اتخاذ قرار بهذه المواجهة كان اكثر القرارات التي تم اتخاذها علي الاطلاق في خطورتها علي مدي التاريخ كله . وكان الرسول صلي الله عليه وسلم من الحكمة بحيث يتاكد الا يشترك احد في المعركة القادمة بغير علم سابق . او دون ان تكون موافقته نابعة من صميم قلبه . وارادته الحرة . فاخبر اصحابه بوضوح انهم لم يعودوا يواجهون احتمال لقاء القافلة . بل هو جيش مكة الان . وسال الناس المشورة . وقام الواحد تلو الاخر من المهاجرين يؤكدون للرسول صلي الله عليه وسلم ولاءهم وحماسهم وتصميمهم علي القتال ضد جيش مكة . الذي جاء ليهاجم مسلمي المدينة في وطنهم وبيوتهم . وكرر الرسول صلي الله عليه وسلم طلب المشورة بعد كل مرة يستمع فيها الي واحد من المهاجرين . وكان الانصار من اهل المدينة صامتين حتي الان . فالمعتدون كانوا من مكة . وتربطهم روابط الدم بكثير من هؤلاء المهاجرين الذين كانوا يشكلون جزءا من هذه الفئة القليلة . وقد خشي الانصار ان يقولوا شيئا يجرح مشاعر اخوانهم المهاجرين . اذا اظهروا رغبتهم وحماستهم لقتال اهل مكة .
ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :- اشيروا علي ايها الناس . وكان يقصد الانصار . وذلك انهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله انا براء من ذمتك حتي تصل الي ديارنا . فاذا وصلت الينا فانت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه ابناءنا ونساءنا . فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتخوف الا يكون الانصار يرون ان عليهم نصره الا ممن دهمه من عدوه بالمدينة . وان ليس عليهم ان يسير بهم الي عدو من بلاده . ولكن عندما اصر الرسول صلي الله عليه وسلم علي تكرار طلب المشورة . قال له سعد بن معاذ رضي الله عنه :- والله لكانك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : - اجل . قال له سعد بن معاذ :- والله لقد امنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق . واعطيناك علي ذلك عهودنا ومواثيقنا والطاعة . فامض يا رسول الله الي ما عزمت فنحن معك . فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد . وما نكره ان تلقي بنا عدونا غدا . انا لصبر في الحرب صدق في اللقاء . لعل الله يريك منا ما تقر به .
وقام ايضا من الانصار المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال :- يا رسول الله امض لما اراك الله فنحن معك . والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسي اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون . ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون . فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا الي برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتي تبلغه . ( راجع البخاري كتاب المغازي وسيرة ابن هشام ) .
كانت تلك هي روح الحب والتضحية التي اظهرها المسلمون الاول . والتي لم يوجد لها مثيل في تاريخ العالم كله . لقد مر بنا كيف تخاذل بنو اسرائيل عن نصرة نبيهم موسي . وكذا حدث مع عيسي عليه السلام فقد تخلي عنه حوارييوه في احلك الظروف والمواقف . اذا خانه احدهم واسلمه للعدو لقاء مبلغ حقير . وانكره الاخر وصب عليه اللعنات . بينما لاذ الاخرون بالفرار وناموا في ساعة العسرة . اما الانصار في المدينة الذين خرجوا مع الرسول صلي الله عليه وسلم فلم يكن قد مضي علي صحبتهم له سوي عام ونصف . ومع ذلك فقد بلغوا تلك القوة التي لا مثيل لها في عالم الايمان . بحيث لو امرهم الرسول صلي الله عليه وسلم ان يلقوا بانفسهم في خضم البحر لكانوا طوع امره دون اي تردد . لقد حصل الرسول صلي الله عليه وسلم علي المشورة التي طلبها . ولكنه لم يكن لديه ادني شك في حب اتباعه وصدق اخلاصهم . لقد طلب المشورة ليغربل منهم الضعيف ويقصيه بعيدا . فوجد المهاجرين من اهل مكة والانصار من اهل المدينة وكل منهم يباري الاخر في الحب والتضحية . وكلاهما قد صمم الا يولي العدو ظهره .
حتي ولو كان العدو يفوقهم في العدد والعتاد مرات ومرات . واشد منهم خبرة بفنون القتال . لقد وضعوا كل ثقتهم في الله جل جلاله . واظهر كل من المهاجرين والانصار معا عظمة تقديرهم للاسلام . وقدموا ارواحهم ومهجهم للدفاع عنه .
اقترب موعد المعركة فاطل الرسول صلي الله عليه وسلم من عريش كان قد نصب له ليصلي فيه وقال معلنا :-
( سيهزم الجمع ويولون الدبر )
كانت هذه هي الكلمات التي سبق ان اوحيت له في مكة من قبل . وكانت تخص هذه الموقعة . فحين بلغت وحشية مكة اقصي الحدود . وراح المسلمون يهاجرون الي الاماكن التي يستطيعون ان يجدوا فيها الامان . تلقي الرسول صلي الله عليه وسلم من ربه الوحي التالي الذي تضمنته هذه الايات .
( ولقد جاء ال فرعون النذر * كذبوا باياتنا كلها فاخذناهم اخذ عزيز مقتدر * اكفاركم خير من اولئكم ام لكم براءة في الذبر * ام يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة ادهي وامر * ان المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار علي وجوههم ذوقوا مس سقر * ) الفمر 42 49 .
هذه الايات جزء من سورة القمر . وقد نزلت هذه السورة طبقا لكل الروايات في مكة . وحدد المفسرون المسلمون التاريخ الذي نزلت فيه بين السنة والخامسة والعاشرة من بعثة الرسول صلي الله عليه وسلم . اي بثلاث سنوات قبل الهجرة من مكة الي المدينة . والاحتمال الاقرب هو ثماني سنوات قبل الهجرة الي المدينة . ويتفق الباحثون الاوربيون مع هذا الراي . ان قيمة الانباء الغيبية الواردة في الايات الكريمة فوق كل شبهة واختلاف فهي تحمل اشارة واضحة الي ما يخبئه القدر لاهل مكة في موقعة بدر . وقد جاء بوضوح نبا المصير الذي هم منزلقون اليه . وعندما اطل الرسول صلي الله عليه وسلم من العريش . كرر ذكر شرح النبا الغيبي الوارد في السورة . ولابد انه قد تلقي من الله تذكيرا بهذه الايات خلال صلاته في العريش . وبتلاوته احداها فقد ذكر صحابته ان الساعة الموعودة قد حانت .
وفعلا كانت الساعة قد حانت كما سبق ان تنبا بها اشعياء النبي في اصحاحه الاعداد التالية ( وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان ارض تيماء وافوا الهارب بخبزه . فانهم من امام السيوف قد هربوا من امام السيف المسلول ومن امام القوس المشدودة ومن امام شدة الحرب . فانه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الاجير يفني كل مجد قيدار . وبقية عدد قسي ابطال بني قيدار تقل لان الرب اله اسرائبل قد تكلم ) اشعياء اصحاح 21 اعداد من 13 الي 17 .
لقد بدات المعركة مع ان المسلمين لم يكونوا علي درجة الاستعداد المطلوبة . ورغم ان مشركي مكة تلقوا النصح الا يتورطوا فيها . كان هناك ثلاثمائة وثلاثة عشر من المسلمين اغلبهم لا خبرة لهم ولم يتعودوا القتال . وجميعهم تقريبا بلا عدة . يواجهون عدو يبلغ ثلاثة اضعاف عددهم من الجنود . كلهم من المقاتلين المتمرسين . وفي ساعات قلائل لقي العديد من زعمائهم البارزين حتفهم . تماما كما تنبا اشعياء النبي حيث قال ( يفني كل مجد قيدار ) . وفر جيش مكة في عجلة بائسة . تاركا خلفه قتلاه وبعض الاسري .
ومن الاسري كان العباس عم الرسول صلي الله عليه وسلم الذي كان يسانده عندما كان في مكة . وقد ارغم علي الانخراط في جيش مكة وقتال النبي . واسير اخر هو ابو العاص . زوج ابنة الرسول صلي الله عليه وسلم . ومن القتلي كان ابو جهل . القائد الاعلي لجيش مكة . وكان بحق راس اعداء الاسلام . وجاء النصر ولكنه اتي معه بكثير من المشاعر والاحاسيس المختلطة للرسول صلي الله عليه وسلم . لقد فرح بتحقق وعود الله المتكررة عبر اربعة عشر عام خلت . وعود ايضا جاء ذكرها في بعض كتب الاديان السابقة . ولكن اصابه الحزن علي المازق الذي حل باهل مكة . فما اشقاها تلك النهاية التي ال حالهم اليها . ولو كان شخص اخر غيره قد حقق هذا النصر لقفز فرحا وسرورا . ولكن منظر العباس امامه مقيد الارجل مغلول اليدين اسال الدمع من عين الرسول صلي الله عليه وسلم ومن عين صديقه المخلص ابو بكر رضي الله عنه . لقد راي عمر رضي الله عنه ايضا ذلك المشهد . ولكنه لم يستطع ان يفهم السبب في بكاء النبي وابي بكر بعد ان تحقق النصر . كان عمر متحيرا ولذا تجاسر ليسال الرسول صلي الله عليه وسلم قائلا :- لم البكاء يا رسول الله وقد من الله عليك بنصر عظيم ؟ فان كان لابد من البكاء لبكيت معكم او لتباكيت . فاشار الرسول صلي الله عليه وسلم الي بؤس الاسري من اهل مكة . ذلك البؤس الشديد الذي يرثي له . فهذا ما يؤدي اليه عصيان الله تعالي .
لقد تكلم اشعياء النبي عن عدل هذا النبي مرارا وتكرارا . الذي خرج ظافرا من معركة قاتلة . وقد ظهر مصداق ذلك بجلاء ووضوح في هذه المناسبة . وفي اثناء العودة الي المدينة استراح الرسول ليلة في الطريق . ولكن صحابته المخلصين راوه يتقلب علي جانبيه ولا يستطيع النوم . اذ كان العباس بالقرب منه يرسف في قيوده . وخمنوا ان السبب في ارق الرسول صلي الله عليه وسلم هو صوت عمه العباس الذي يئن علي مسمع منه وقيوده مشدودة باعتباره اسير حرب . فخففوا من وثاق العباس ليكف عن انينه . وراح الرسول صلي الله عليه في النوم بعد ان كف انين العباس عن ازعاجه . ولكنه بعد قليل نهض وسال مستعجبا . لما لم يعد صوت العباس مسموعا ؟ ولكن الحراس من صحابته صرحوا له انهم ارخوا قيود العباس قليلا كي يستطيع الرسول الحصول علي قسط من النوم . فرفض الرسول صلي الله عليه وسلم ان يظلم احد من الاسري بالتفرقة بينه وبين غيره . وذكر لهم انه اذا كان العباس من اقربائه . فان الاخرين كذلك اقرباء لاخرين منهم . وعلي ذلك ينبغي ان يرخوا القيود عن كل الاسري او يشدوها علي العباس مثل الاخرين . وقد استمع الصحابة لهذه اللفتة . وقرروا ان يرخوا القيود عن كل الاسري . وتحملوا علي عاتقهم مسئولية الحراسة الامنة .
اما عن الاسري فمن كان منهم من القارئين . فقد نالوا وعدا باسترداد حريتهم ان هم علموا عشرة صبية من ابناء المهاجرين القراءة والكتابة . وكانت هذه فديتهم مقابل الحرية . واما الذين لم يكن لهم من يدفع فديتهم . فقد وهبوا حريتهم حينما سالوها . واما الذين امكنهم دفع الفدية فقد نالوا الحرية بعدما دفعوها . وبتحرير كل الاسري بهذه الطريقة . وضع الرسول صلي الله عليه وسلم نهاية للمارسات الوحشية التي كانت تحول اسير الحرب الي عبد مملوك تنتهك حرياته وينكل به ويهان . ) 2انتهي .
هذه نبذة بسيطة من تطبيقات الرسول صلي الله عليه وسلم لتعاليم القران في حال الحرب والسلم . وسنوالي في السطور القادمة سردا لبعض الغزوات الاخري .
ان المستشرقين المسيحيين تحاملوا علي الاسلام تحاملا شديدا غير مبرر الا بدواع من الحقد والكره . كما تحاملوا علي الرسول صلي الله عليه وسلم . في الوقت الذي قامت الحروب من الدول المسيحية ضد دول اخري بدون اسباب منطقية . وكان عدوان هذه الشعوب الغربية قاسيا وفجا . ولم يخرج علينا احد هؤلاء المسترقين حتي ليستنكر او يدين . انه الحقد والتعصب الاعمي .
لقد قتل الهنود الحمر في امريكا عن بكرة ابيهم ولم ينبث احد ببنت شفة .
وقتل مئات الالاف في هيروشيما ونجازاكي وتشوه وتضرر الملايين ولم نسمع كلمة اسف .
وسراييفو والعراق والبوسنة والهرسك ولم يحرك احدا ساكنا .
اما حينما يخرج الرسول صلي الله عليه وسلم فقط وفقط فقط لرد المعتدين والدفاع عن انفسهم يقيم هؤلاء المستشرقين الدنيا ولا يقعدوها . اهو الكيل بمكيالين ؟ بل هو الكيل بمكاييل عدة .. انه المكيال الذي يزن به الغرب المسيحي لنفسه وللاخرين . فان وزنوا لانفسهم طففوا وان وزنوا للاخرين خسروهم وهضموهم حقوقهم .
-----------------------------------------------------------------------------
1 = ما جاء بين القوسين باستثناء ايات القران وفقرات من الكتاب المقدس تم نقله بتصرف من كتاب حياة محمد لحضرة ميرزا بشير الدين محموداحمد رضي الله عنه
2 = نفس المصدر
الكتاب قام بترجمته من الاردية للعربية المهندس فتحي عبد السلام جزاه الله عنا كل خير وجعله في ميزان حسناته .
---------------------------------------
هشام عبد الجواد
مواضيع مماثلة
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 3
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 4
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 5
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 6
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 7
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 4
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 5
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 6
» الالحاد بين هشاشة الموروث وقوة الاسلام 7
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى